أسامة داود يكتب: هل تُدار مفاوضات الغاز والزيت لصالح الدولة أم لحساب الشركات الأجنبية؟ ( 3 )

أسامة داود يكتب: هل تُدار مفاوضات الغاز والزيت لصالح الدولة أم لحساب الشركات الأجنبية؟ ( 3 )

 معركة الأرقام والسيادة بين البترول وإكسون موبيل

في توقيت بالغ الحساسية، وبينما يمر قطاع البترول المصري بحالة من التراجع في الإنتاج، وارتفاع الضغوط التمويلية، تطفو على السطح قضية شائكة تتعلق بإعادة التفاوض حول اتفاقيات بترولية بحرية لم يمضِ على توقيعها عام واحد، لصالح واحدة من أضخم شركات الطاقة العالمية: "إكسون موبيل".

الاتفاقيتان المعروفتان بـ"كايرو البحرية" و"مصري البحرية"، اللتان تم توقيعهما في نوفمبر 2023، كانتا بمثابة إعلان نجاح للدولة المصرية في جذب استثمارات جديدة لمناطق حدودية عميقة المخاطر. ورغم ذلك، تفاجأ قطاع البترول بطلب من الشركة الأمريكية لإعادة التفاوض على بنود جوهرية في الاتفاقيتين، ما يثير تساؤلات مشروعة: من الذي يدفع بهذا الاتجاه؟ ولماذا تُفتح أبواب التعديل في اتفاقيات لم تُختبر بعد؟

البيان الصادر مؤخرًا عن وزارة البترول، والذي أعلن توقيع مذكرة تفاهم بالأحرف الأولى مع "إكسون موبيل" لتطوير نظام الاتفاقيات – رغم حداثة تلك الاتفاقيات – فُهم على نطاق واسع داخل القطاع على أنه موافقة ضمنية على تعديل الشروط التعاقدية، قبل حتى ظهور نتائج الحفر.

الوزارة بررت ذلك بالحاجة لجذب الاستثمار وتقديم حوافز للشركات العاملة في مناطق بكر وعالية المخاطر. لكن هذا الطرح يقابله تحفظ واسع النطاق داخل أوساط الخبراء، الذين يرون في القبول المبكر بتعديلات جوهرية تقويضًا لمبادئ التفاوض المتكافئ، وإضعافًا لموقف الدولة في مواجهة مطالب قد تتكرر من شركات أخرى.

مطالب متجاوزة

بحسب ما تسرب من كواليس الاجتماعات، فإن "إكسون موبيل" تقدمت بطلب لرفع نسبة استرداد التكاليف بصورة مبالغ فيها كما أشرت إليه فى مقالى بتاريخ 20 ابريل 2025 ، وتطبيق نظام "معامل الربحية (R-Factor)" الذي يمنحها نسبة ثابتة من الربح تصل إلى الحد الذى يضمن لها استرداد 300% من تكاليفها. وهو نموذج يصفه خبراء بأنه غير معمول به في اتفاقيات المياه العميقة الحديثة.

الأخطر، أن الشركة تطلب كذلك حرية تصدير الغاز دون قيود، وربط سعر البيع بالسوق العالمي دون حدود دنيا أو قصوى، وتخفيف الالتزامات الضريبية المفروضة عليها، ما يعني عمليًا إفراغ الاتفاق من محتواه السيادي وتحويله إلى شراكة غير متوازنة.


من الأحق بالحماية  السيادة.. أم المستثمر ؟


هذه التطورات تفتح الباب لتساؤلات ضرورية حول موقف الوزارة من دورها كحامٍ للثروة القومية. هل تسعى وزارة البترول بقيادة الوزير المهندس كريم بدوي إلى تجاوز الاتفاقيات السابقة لتقديم شروط أفضل للمستثمر الأجنبي؟ وهل يمثل هذا التوجه قناعة مؤسسية أم اجتهادًا شخصيًا؟ وكيف نضمن ألا تتحول هذه الممارسات إلى سابقة تفتح شهية شركات أخرى للمطالبة بالمثل؟

ولعل الخلفية الوظيفية للوزير، الذي قضى أكثر من عقدين داخل إحدى الشركات العالمية، تدفع البعض للتساؤل عما إذا كانت تؤثر في مواقفه التفاوضية. فهل هذا التقارب مع الشركات يتماشى مع المصلحة الوطنية؟ أم أنه يحمل في طياته ميلًا غير محسوب لصالح "الشريك الأجنبي" على حساب حقوق الدولة؟

من جهة أخرى، وبعد مرور أكثر من عشرة أشهر على تولي الوزير الحالي منصبه، لم تُرصد مؤشرات إيجابية على وقف نزيف الإنتاج أو على تحقيق طفرة في جذب استثمارات جديدة. فهل كان التغيير في القيادة مجديًا؟ أم أن السياسات لم تتغير فعليًا سوى على الورق؟

 قبل فوات الأوان

لا خلاف على أهمية تشجيع الاستثمار الأجنبي، خاصة في مجالات الاستكشاف ذات المخاطر المرتفعة. لكن ما هو مرفوض أن تتحول أولوية "جذب الاستثمار" إلى وسيلة لتقويض المكاسب التعاقدية، أو فتح ثغرات في منظومة الحوكمة والشفافية التعاقدية.

ختامًا، نحن أمام لحظة فاصلة تستدعي مراجعة حقيقية: هل ما يجري في كواليس التفاوض يصب في مصلحة مصر، أم أنه يُمهد لتنازلات قد تدفع الدولة ثمنها لأجيال قادمة؟

عذرًا.. إنها مجرد تساؤلات تحتاج إلى إجابات.